الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِنَا وَأَدِلَّتِنَا فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهَا، وَلَمْ يَتَّبِعُوا رُسُلَنَا {وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا}، يَقُولُ: وَتَكْبُرُوا عَنِ التَّصْدِيقِ بِهَا وَأَنِفُوا مِنَ اتِّبَاعِهَا وَالِانْقِيَادِ لَهَا تَكَبُّرًا “ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ “، لِأَرْوَاحِهِمْ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ “ أَبْوَابُ السَّمَاءِ “، وَلَا يَصْعَدُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ إِلَى اللَّهِ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ، لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ خَبِيثَةٌ، وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10]. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا تَفْتَحُ لِأَرْوَاحِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، قَالَ: عَنَى بِهَا الْكُفَّارَ، أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُفَتَّحُ لِأَرْوَاحِهِمْ، وَتُفَتَّحُ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَتَّحُ السَّمَاءُ لِرُوحِ الْمُؤْمِنِ، وَلَا تُفَتَّحُ لِرُوحِ الْكَافِرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا أُخِذَ رُوحُهُ، ضَرَبَتْهُ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ حَتَّى يَرْتَفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا بَلَغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا ضَرَبَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ فَهَبَطَ، فَضَرَبَتْهُ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ فَارْتَفَعَ، فَإِذَا بَلَغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا ضَرَبَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَهَبَطَ إِلَى أَسْفَلِ الْأَرْضِينَ. وَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا نُفِخَ رُوحُهُ، وَفُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَلَا يَمُرُّ بِمَلَكٍ إِلَّا حَيَّاهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ، فَيُعْطِيهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: رَدُّوا رُوحَ عَبْدِي فِيهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي قَضَيْتُ مِنَ التُّرَابِ خَلْقَهُ، وَإِلَى التُّرَابِ يَعُودُ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصْعَدُ لَهُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ وَلَا دُعَاءٌ إِلَى اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، لَا يَصْعَدُ لَهُمْ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، يَعْنِي: لَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَمَلِهِمْ شَيْءٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، يَقُولُ: لَا تُفَتَّحُ لِخَيْرٍ يَعْمَلُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، قَالَ: لَا يَصْعَدُ لَهُمْ كَلَامٌ وَلَا عَمَلٌ. حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، قَالَ: لَا يَرْتَفِعُ لَهُمْ عَمَلٌ وَلَا دُعَاءٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، قَالَ: لَا يَرْتَفِعُ لَهُمْ عَمَلٌ وَلَا دُعَاءٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَعِيدٍ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، قَالَ: لَا يُرْفَعُ لَهُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ وَلَا دُعَاءٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِأَرْوَاحِهِمْ وَلَا لِأَعْمَالِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}، قَالَ: لِأَرْوَاحِهِمْ وَلَا لِأَعْمَالِهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ، لِعُمُومِ خَبَرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ. وَلَمْ يُخَصِّصْ الْخَبَرَ بِأَنَّهُ يُفَتِّحُ لَهُمْ فِي شَيْءٍ، فَذَلِكَ عَلَى مَا عَمَّهُ خَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ فِي شَيْءٍ، مَعَ تَأْيِيدِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَبْضَ رُوحِ الْفَاجِرِ، وَأَنَّهُ يَصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: “ مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ “؟ فَيَقُولُونَ: “ فُلَانٌ “، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُدْعَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِ الْخِيَاطِ}» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلَ الصَّالِحَ قَالُوا: “ اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ “، قَالَ: فَيَقُولُونَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَسْتَفْتِحُ لَهَا، فَيُقَالُ: “ مِنْ هَذَا “؟ فَيَقُولُونَ: “ فُلَانٌ “. فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ “، فَيُقَالُ لَهَا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلَ السَّوْءَ قَالَ: “ اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ “، فَيَقُولُونَ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يَعْرُجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: “ مِنْ هَذَا “؟ فَيَقُولُونَ: “ فُلَانٌ “. فَيَقُولُونَ: “ لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإِنَّهُ لَمْ تُفْتَحْ لَكِ أَبْوَابَ السَّمَاءِ “، فَتُرْسَلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَتَصِيرُ إِلَى الْقَبْر». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةُ الْكُوفَةِ: “ لَا يُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ “، بِالْيَاءِ مَنْ “ يَفْتَحُ “، وَتَخْفِيفِ “ التَّاءِ “ مِنْهَا، بِمَعْنَى: لَا يُفْتَحُ لَهُمْ جَمِيعُهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَفَتْحَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (لَا تُفَتَّحُ)، بِالتَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ، بِمَعْنَى: لَا يُفْتَحُ لَهُمْ بَابٌ بَعْدَ بَابٍ، وَشَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى. وَذَلِكَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ لَا تُفَتَّحُ لَهَا وَلَا لِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ، وَبَابٍ بَعْدَ بَابٍ. فَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ “ الْيَاءُ “، وَ“ التَّاءُ “ فِي “ يَفْتَحُ “، وَ“ تَفْتَحُ “، لِأَنَّ “ الْيَاءَ “ بِنَاءٌ عَلَى فِعْلِ الْوَاحِدِ لِلتَّوْحِيدِ، وَ“ التَّاءِ “ لِأَنَّ “ الْأَبْوَابَ “ جَمَاعَةٌ، فَيُخْبَرُ عَنْهَا خَبَرُ الْجَمَاعَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا يَدْخُلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا، الْجَنَّةَ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَبَدًا، كَمَا لَا يَلِجُ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ أَبَدًا، وَذَلِكَ ثُقْبُ الْإِبْرَةِ. وَكُلُّ ثُقْبٍ فِي عَيْنٍ أَوْ أَنْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهِ “ سَمًّا “ وَتَجَمُّعَهُ “ سُمُومًا “، وَ“ السِّمَامُ “، فِي جَمْعِ “ السَّمِّ “ الْقَاتِلِ، أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ مِنَ “ السُّمُومِ “. وَهُوَ فِي جَمْعِ “ السَّمِّ “ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الثَّقْبِ أَفْصَحُ. وَكَّلَاهُمَا فِي الْعَرَبِ مُسْتَفِيضٌ. وَقَدْ يُقَالُ لِوَاحِدِ “ السُّمُومِ “ الَّتِي هِيَ الثُّقُوبُ “ سَمٌّ “ وَ“ سُمٌّ “ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، وَمِنَ “ السَّمِّ “ الَّذِي بِمَعْنَى الثَّقْبِ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: فَنَفَّسْـتُ عَـنْ سَـمَّيْهِ حَـتَّى تَنَفَّسَـا *** وَقُلْـتُ لَـهُ: لَا تَخْـشَ شَـيْئًا وَرَائِيَـا يَعْنِي بَسَمَّيْهِ، ثُقْبَيْ أَنْفِهِ. وَأَمَّا “ الْخِيَاطُ “ فَإِنَّهُ “ الْمِخْيَطُ “، وَهِيَ الْإِبْرَةُ. قِيلَ لَهَا: “ خِيَاطٌ “ وَ“ مِخْيَطٌ “، كَمَا قِيلَ: “ قِنَاعٌ “ وَ“ مِقْنَعٌ “، وَ“ إِزَارٌ “ وَ“ مِئْزَرٌ “، وَ“ قِرَامٌ “ وَ“ مِقْرَمٌ “، وَ“ لِحَافٌ “ وَ“ مِلْحَفٌ “. وَأَمَّا الْقَرَأَةُ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، فَإِنَّهَا قَرَأَتْ قَوْلَهُ: {فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، بِفَتْحِ “ السِّينِ “، وَأَجْمَعَتْ عَلَى قِرَاءَةِ: “ الْجَمَلُ “ بِفَتْحِ “ الْجِيمِ “، وَ“ الْمِيمِ “ وَتَخْفِيفِ ذَلِكَ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَؤُونَ ذَلِكَ: “ الْجُمَّلُ “، بِضَمِّ “ الْجِيمِ “ وَتَشْدِيدِ “ الْمِيمِ “، عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ عَنْ سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَؤُوهُ بِالْفَتْحِ مِنَ الْحَرْفَيْنِ وَالتَّخْفِيفِ، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ إِلَى “ الْجَمَلِ “ الْمَعْرُوفِ، وَكَذَلِكَ فَسَّرُوهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُغِيَرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: الْجُمَلُ ابْنُ النَّاقَةِ، أَوْ: زَوْجُ النَّاقَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: “ الْجَمَلُ “، زَوْجُ النَّاقَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: “ الْجَمَلُ “، زَوْجُ النَّاقَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ قَالَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: “ الْجَمَلُ “، الَّذِي يَقُومُ فِي الْمِرْبَدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: حَتَّى يَدْخَلَ الْبَعِيرُ فِي خُرْتِ الْإِبْرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُوَ الْجَمَلُ! فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: هُوَ الْأَشْتَرُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ يَسْتَفْهِمُهُ، قَالَ: أَشْتَرُ، أَشْتَرُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ}، قَالَ: الْجَمَلُ الَّذِي لَهُ أَرْبَعُ قَوَائِمَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ أَوْ: حُصَيْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: زَوْجُ النَّاقَةِ، يَعْنِي الْجَمَلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (الْجَمَلُ)، وَهُوَ الَّذِي لَهُ أَرْبَعُ قَوَائِمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ}، الَّذِي لَهُ أَرْبَعُ قَوَائِمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ}، قَالَ: الَّذِي بِالْمِرْبَدِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ الْأَصْفَرُ “. حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: الْجُمَلُ ابْنُ النَّاقَةِ أَوْ بَعْلُ النَّاقَةِ. وَأَمَّا الَّذِينَ خَالَفُوا هَذِهِ الْقِرَاءَةَ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا. فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْمُوَافِقَةُ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عَنْهُ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، وَالْجَمَلُ: ذُو الْقَوَائِمِ. وَذُكِرَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، وَهُوَ الْجَمَلُ الْعَظِيمُ، لَا يَدْخُلُ فِي خُرْتِ الْإِبْرَةِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْهَا. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مَا:- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ “، قَالَ: هُوَ قَلْسُ السَّفِينَةِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ “، يَعْنِي الْحَبْلَ الْغَلِيظَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلْحُسْنِ فَقَالَ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ}، قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: قَالَ أَبُو غَسَّانَ، قَالَ خَالِدٌ: يَعْنِي: الْبَعِيرَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: “ الْجُمَّلُ “، مُثَقَّلَةً، وَقَالَ: هُوَ حَبْلُ السَّفِينَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “ الْجُمَّلُ “، حِبَالُ السُّفُنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ “، قَالَ: الْحَبْلُ الْغَلِيظُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ “ قَالَ: هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى السَّفِينَةِ. وَاخْتُلِفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا مِثْلَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِضَمِّ “ الْجِيمِ “ وَتَثْقِيلِ “ الْمِيمِ “. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عَنْهُ: حَدَّثَنَا عُمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ قَرَأَهَا: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ “، يَعْنِي قُلُوسَ السُّفُنِ، يَعْنِي: الْحِبَالَ الْغِلَاظَ. وَالْأُخْرَى مِنْهُمَا بِضَمِّ “ الْجِيمِ “ وَتَخْفِيفِ “ الْمِيمِ “. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عَنْهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ سَالِمِ بْنِ عِجْلَانَ الْأَفْطَسِ قَالَ، قَرَأْتُ عَلَى أَبِي: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلَ “ فَقَالَ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ “ خَفِيفَةً، هُوَ حَبْلُ السَّفِينَةِ هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَأَمَّا عِكْرِمَةُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: “ الْجُمَّلُ “، بِضَمِّ “ الْجِيمِ “ وَتَشْدِيدِ “ الْمِيمِ “، وَبِتَأَوُّلِهِ كَمَا:- حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عيسى بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقْرَأُ: “ الْجُمَّلُ “ مُثَقَّلَةً، وَيَقُولُ: هُوَ الْحَبَلُ الَّذِي يُصْعَدُ بِهِ إِلَى النَّخْلِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا كَعْبُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ “، قَالَ: الْحَبْلُ الْغَلِيظُ فِي خَرْقِ الْإِبْرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ “، قَالَ: حَبْلُ السَّفِينَةِ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: الْحَبْلُ مِنْ حِبَالِ السُّفُنِ. وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ “ الْمِيمِ “ وَضَمِّ “ الْجِيمِ “، عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَلَى مِثَالِ “ الصُّرَدِ “ وَ“ الْجُعَلِ “، وَجَّهَهُ إِلَى جِمَاعِ “ جُمْلَةٍ “ مِنَ الْحِبَالِ جُمِعَتْ “ جُمَلًا “، كَمَا تُجْمَعُ “ الظُّلْمَةُ “، “ ظُلَمًا “، وَ“ الْخُرْبَةُ “ “ خُرَبًا “. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُ التَّشْدِيدَ فِي “ الْمِيمِ “ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَرَادَ الرَّاوِي “ الْجُمَلَ “ بِالتَّخْفِيفِ، فَلَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ مِنْهُ فَشَدَّدَهُ. وَحُدِّثْتُ عَنِ الْفِرَاءِ، عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ أَعْجَمِيًّا. وَأَمَّا مِنْ شَدَّدَ “ الْمِيمَ “ وَضَمَّ “ الْجِيمَ “ فَإِنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَبْلُ، أَوْ الْخَيْطُ الْغَلِيظُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، مَا عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، بِفَتْحِ “ الْجِيمِ “ وَ“ الْمِيمِ “ مِنَ “ الْجُمَلِ “ وَتَخْفِيفِهَا، وَفَتْحِ “ السِّينِ “ مِنَ “ السَّمِّ “، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ مُخَالَفَةُ مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّةُ مُتَّفِقَةً عَلَيْهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ. وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ “ السِّينِ “ مِنْ قَوْلِهِ: {سَمِّ الْخِيَاطِ}. وَإِذْ كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ، وَ“ الْوُلُوجُ “ الدُّخُولُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: “ وَلَجَ فُلَانٌ الدَّارَ يَلِجُ وُلُوجًا “، بِمَعْنَى: دَخَلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْإِبْرَةِ، وَهُوَ ثُقْبُهَا. (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ)، يَقُولُ: وَكَذَلِكَ نُثِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا فِي الدُّنْيَا مَا اسْتَحَقُّوا بِهِ مِنَ اللَّهِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِي الْآخِرَةِ. وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَسُوِيدٌ الْكَلْبِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: ثُقْبُ الْإِبْرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا كَعْبُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: ثُقْبُ الْإِبْرَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: جُحْرُ الْإِبْرَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، يَقُولُ: جُحْرُ الْإِبْرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}، قَالَ: فِي ثُقْبِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا {مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ}. وَهُوَ مَا امْتَهَدُوهُ مِمَّا يُقْعَدُ عَلَيْهِ وَيُضْطَجَعُ، كَالْفِرَاشِ الَّذِي يُفْرَشُ، وَالْبُسَاطِ الَّذِي يُبْسَطُ. {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}. وَهُوَ جَمْعُ “ غَاشِيَةٍ “، وَذَلِكَ مَا غَشَّاهُمْ فَغَطَّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ مِنْ تَحْتِهِمْ فُرُشٌ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ مِنْهَا لُحُفٌ، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ}، قَالَ: الْفِرَاشُ {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}، قَالَ: اللُّحُفُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}، قَالَ: “ الْمِهَادُ “، الْفُرُشُ، وَ“ الْغَوَاشِي “، اللُّحُفُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}، أَمَّا “ الْمِهَادُ “ كَهَيْئَةِ الْفَرَّاشِ وَ“ الْغَوَاشِي “، تَتَغَشَّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَكَذَلِكَ نُثِيبُ وَنُكَافِئُ مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، فَأَكْسَبَهَا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ مَا لَا قِبَلَ لَهَا بِهِ بِكُفْرِهِ بِرَبِّهِ، وَتَكْذِيبِهِ أَنْبِيَاءَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ وَتَنْـزِيلِهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ، وَعَمِلُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَأَطَاعُوهُ، وَتَجَنَّبُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، يَقُولُ: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا يَسَعُهَا فَلَا تَحَرُّجَ فِيهِ (أُولَئِكَ)، يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ)، يَقُولُ: هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، وَعَمِلَ بِسَيِّئَاتِهِمْ (هَمّ فِيهَا خَالِدُونَ)، يَقُولُ هُمْ فِي الْجَنَّةِ مَاكِثُونَ، دَائِمٌ فِيهَا مُكِثُّهُمْ، لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَلَا يُسْلَبُونَ نَعِيمَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَذْهَبْنَا مِنْ صُدُورِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، مَا فِيهَا مَنْ حِقْدٍ وَغِمْرٍ وَعَدَاوَةٍ كَانَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَدْخَلَهُمُوهَا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ، لَا يَحْسُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى شَيْءٍ خَصَّ اللَّهُ بِهِ بَعْضَهُمْ وَفَضَّلَهُ مِنْ كَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}، قَالَ: الْعَدَاوَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)، قَالَ: هِيَ الْإِحَنُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فِينَا وَاَللَّهِ أَهْلَ بَدْرٍ نـَزَلَتْ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 47]. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِينَا وَاَللَّهِ أَهْلَ بَدْرٍ نـَزَلَتْ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لِأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}، قَالَ: إِنْ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا سِيقُوا إِلَى الْجَنَّةِ فَبَلَغُوا، وَجَدُوا عِنْدَ بَابِهَا شَجَرَةً فِي أَصْلِ سَاقِهَا عَيْنَانِ، فَشَرِبُوا مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَيُنْـزَعُ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ، فَهُوَ “ الشَّرَابُ الطَّهُورُ “، وَاغْتَسَلُوا مِنَ الْأُخْرَى، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ “ نَضْرَةَ النَّعِيمِ “، فَلَمْ يَشْعَثُوا وَلَمْ يَتَّسِخُوا بَعْدَهَا أَبَدًا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ، يُحْبَسُ أَهْلُ الْجَنَّةِ دُونَ الْجَنَّةِ حَتَّى يُقْضَى لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حِينَ يُدْخِلُونَهَا وَلَا يَطْلُبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَدًا بِقُلَامَةِ ظُفُرٍ ظَلَمَهَا إِيَّاهُ. وَيُحْبَسُ أَهْلُ النَّارِ دُونَ النَّارِ حَتَّى يُقْضَى لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَيَدْخُلُونَ النَّارَ حِينَ يُدْخِلُونَهَا وَلَا يَطْلُبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَدًا بِقُلَامَةِ ظُفُرٍ ظَلَمَهَا إِيَّاهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، حِينَ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ، وَرَأَوْا مَا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ النَّارِ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}، يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وُفِّقَنَا لِلْعَمَلِ الَّذِي أَكْسَبَنَا هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ، وَصَرْفِ عَذَابِهِ عَنَّا {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، يَقُولُ: وَمَا كُنَّا لِنُرْشَدَ لِذَلِكَ، لَوْلَا أَنْ أَرْشَدَنَا اللَّهُ لَهُ وَوَفَّقَنَا بِمَنِّهِ وَطَوْلِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ [أَبِي سَعِيدٍ] قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْـزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: “ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ “، فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً. وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْـزِلَهُ مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: “ لَوْلَا أَنَّ هَدَانَا اللَّهُ “! فَهَذَا شُكْرُهُم». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ، ذَكَرَ عُمَرُ لِشَيْءٍ لَا أَحْفَظُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: يَدْخُلُونَ، فَإِذَا شَجَرَةٌ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ. قَالَ: فَيَغْتَسِلُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، فَلَا تَشْعَثُ أَشْعَارُهُمْ وَلَا تَغْبَرُّ أَبِشَارُّهُمْ. وَيَشْرَبُونَ مِنَ الْأُخْرَى، فَيَخْرُجُ كُلُّ قَذًى وَقَذِرٍ وَبَأْسٍ فِي بُطُونِهِمْ. قَالَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ بَابُ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}، قَالَ: فَتَسْتَقْبِلُهُمُ الْوِلْدَانُ، فَيَحُفُّونَ بِهِمْ كَمَا تَحُفُّ الْوَلَدَانُ بِالْحَمِيمِ إِذَا جَاءَ مِنْ غَيْبَتِهِ. ثُمَّ يَأْتُونَ فَيُبَشِّرُونَ أَزْوَاجَهُمْ، فَيُسَمُّونَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ. فَيَقُلْنَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ! قَالَ: فَيَسْتَخِفُّهُنَّ الْفَرَحُ، قَالَ: فَيَجِئْنَ حَتَّى يَقِفْنَ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ. قَالَ: فَيَجِيئُونَ فَيَدْخُلُونَ، فَإِذَا أُسُّ بُيُوتِهِمْ بِجَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا صُرُوحٌ صُفْرٌ وَخُضْرٌ وَحُمْرٌ وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ، وَسُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وزرِابيُّ مَبْثُوثَةٌ. فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهَا، لَالْتُمِعَتْ أَبْصَارُهُمْ مِمَّا يَرَوْنَ فِيهَا. فَيُعَانِقُونَ الْأَزْوَاجَ، وَيَقْعُدُونَ عَلَى السُّرُرِ، وَيَقُولُونَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}، الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، وَرُؤْيَتِهِمْ كَرَامَةَ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَهُمْ بِهَا، وَهُوَ أَنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي النَّارِ: وَاَللَّهِ لَقَدْ جَاءَتْنَا فِي الدُّنْيَا، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي النَّارِ، رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ وَعْدِ اللَّهِ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَوَعِيدِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ وَالْكُفْرِ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَنَادَى مُنَادٍ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ، وَأَخْبَرَ عَمَّا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ: أَنْ يَا هَؤُلَاءِ، هَذِهِ تَلْكُمُ الْجَنَّةُ الَّتِي كَانَتْ رُسُلِي فِي الدُّنْيَا تُخْبِرُكُمْ عَنْهَا، أَوْرَثَكُمُوهَا اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ، لِتَصْدِيقِكُمْ إِيَّاهُمْ وَطَاعَتِكُمْ رَبَّكُمْ. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، قَالَ: لَيْسَ مِنْ كَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَنْـزِلٌ، فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وَدَخَلُوا مَنَازِلَهُمْ، رُفِعَتِ الْجَنَّةُ لِأَهْلِ النَّارِ فَنَظَرُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِيهَا، فَقِيلَ لَهُمْ: “ هَذِهِ مَنَازِلُكُمْ لَوْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ “، ثُمَّ يُقَالُ: “ يَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، رِثُوهُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “، فَتُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنَازِلُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، [عَنْ سَعِيدِ بْنِ بُكَيْرٍ]، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، قَالَ: نُودُوا أَنْ صِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا، واخْلُدُوا فَلَا تَمُوتُوا، وَانْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ}، الْآيَة، قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ: أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي “ أَنِ “ الَّتِي مَعَ “ تِلْكُمْ “. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هِيَ “ أَنَّ “ الثَّقِيلَةُ، خُفِّفَتْ وَأُضْمِرَ فِيهَا، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَجْعَلَهَا الْخَفِيفَةَ، لِأَنَّ بَعْدَهَا اسْمًا، وَالْخَفِيفَةُ لَا تَلِيهَا الْأَسْمَاءُ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ: فِـي فِتْيَـةٍ كَسُـيُوفِ الهِنْـدِ، قَدْ عَلِمُوا *** أَنْ هَـالِكٌ كُـلُّ مَـنْ يَحْـفَى وَيَنْتَعِـلُ وَقَالَ آخَرٌ: أُكَاشِـرُهُ وَأَعْلَـمُ أَنْ كِلانَـا *** عَـلَى مَـا سَـاءَ صَاحِبَـهُ حَـرِيصُ قَالَ: فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ كِلَانَا. قَالَ: وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا}، فِي مَوْضِعِ “ أَيْ “ ; وَقَوْلُهُ: (أَنْ أَقِيمُوا)، [سُورَةُ الشُّورَى: 13]، وَلَا تَكُونُ “ أَنِ “ الَّتِي تَعْمَلُ فِي الْأَفْعَالِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: “ غَاظَنِي أَنْ قَامَ “، وَ“ أَنْ ذَهَبَ “، فَتَقَعُ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْمَلُ فِيهَا. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [سُورَةُ ص: 6]، أَيِ: امْشُوا. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: غَيْرُ جَائِزٍ أَنَّ يَكُونَ مَعَ “ أَنْ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ “ هَاءٌ “ مُضْمَرَةٌ، لِأَنَّ “ أَنْ “ دَخَلَتْ فِي الْكَلَامِ لِتَقِيَ مَا بَعْدَهَا. قَالَ: “ وَأَنْ “ هَذِهِ الَّتِي مَعَ “ تِلْكُمْ “ هِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا مَا ضَارَعَ الْحِكَايَةَ، وَلَيْسَ بِلَفْظِ الْحِكَايَةِ، نَحْوَ: “ نَادَيْتُ أَنَّكَ قَائِمٌ، “ وَ“ أَنْ زَيْدًا قَائِمٌ “ وَ“ أَنْ قُمْتَ “، فَتَلِيَ كُلَّ الْكَلَامِ، وَجُعِلَتْ “ أَنْ “ وِقَايَةً، لِأَنَّ النِّدَاءَ يَقَعُ عَلَى مَا بَعْدَهُ، وَسَلِمَ مَا بَعْدَ “ أَنْ “ كَمَا سَلِمَ مَا بَعْدَ “ الْقَوْلِ “. أَلَّا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: “ قُلْتُ: زَيْدٌ قَائِمٌ؟، وَ“ قُلْتُ: قَامَ “، فَتَلِيهَا مَا شِئْتَ مِنَ الْكَلَامِ، فَلَمَّا كَانَ النِّدَاءُ بِمَعْنَى “ الظَّنِّ “ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ “ الْقَوْلِ “ سَلِمَ مَا بَعْدَ “ أَنْ “، وَدَخَلَتْ “ أَنْ “ وِقَايَةً. قَالَ: وَأَمَّا “ أَيْ “، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى “ أَنْ “، لَا يَكُونُ “ أَيْ “ جَوَابَ الْكَلَامِ، وَ“ أَنْ “ تَكْفِي مِنَ الِاسْمِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَادَى أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهُمُوهَا: يَا أَهْلَ النَّارِ، قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ، مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِهِمْ، وَعَلَى طَاعَتِهِ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَنَا رَبُّكُمْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عَلَى الْكَفْرِ بِهِ وَعَلَى مَعَاصِيهِ مِنَ الْعِقَابِ؟ فَأَجَابَهُمْ أَهْلُ النَّارِ: بِأَنْ نَعَمْ، قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَ رَبُّنَا حَقًّا، كَاَلَّذِي:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}، قَالَ: وَجَدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَا وُعِدُوا مِنْ ثَوَابٍ، وَأَهْلُ النَّارِ مَا وُعِدُوا مِنْ عِقَابٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَهْلَ الْجَنَّةِ النَّعِيمَ وَالْكَرَامَةَ وَكُلَّ خَيْرٍ عَلِمَهُ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَوَعَدَ أَهْلَ النَّارِ كُلِّ خِزْيٍ وَعَذَابٍ عَلِمَهُ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ}، [سُورَةُ ص: 58]. قَالَ: فَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالُوا: نَعَمْ. يَقُولُ: مِنَ الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ وَالْعَذَابِ. قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {قَالُوا نَعَمْ}. فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: {قَالُوا نَعَمْ}، بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ “ نَعَمْ “. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ: “ قَالُوا نَعِمْ “ بِكَسْرِ “ الْعَيْنِ “، وَقَدْ أَنْشَدَ بَيْتًا لَبَنِي كَلْبٍ: نَعِـمْ، إِذَا قالَهَـا، مِنْـهُ مُحَقَّقَـةٌ *** وَلَا تَخِيبُ “ عَسَـى “ مِنْـهُ وَلَا قَمَـنُ بِكَسْرِ “ نَعِمْ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا (نَعَمْ) بِفَتْحِ “ الْعَيْنِ “، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، وَاللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْعَرَبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ}، يَقُولُ: فَنَادَى مُنَادٍ، وَأَعْلَمُ مُعْلِمٌ بَيْنَهُمْ {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، يَقُولُ: غَضَبُ اللَّهِ وَسُخْطُهُ وَعُقُوبَتُهُ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِي “ أَنَّ “ إِذَا صَحِبَتْ مِنَ الْكَلَامِ مَا ضَارَعَ الْحِكَايَةَ، وَلَيْسَ بِصَرِيحِ الْحِكَايَةِ، بِأَنَّهَا تُشَدِّدُهَا الْعَرَبُ أَحْيَانًا، وَتُوقِعُ الْفِعْلَ عَلَيْهَا فَتَفْتَحُهَا وَتُخَفِّفُهَا أَحْيَانًا، وَتُعْمِلُ الْفِعْلَ فِيهَا فَتَنْصِبُهَا بِهِ، وَتُبْطِلُ عَمَلَهَا عَنِ الِاسْمِ الَّذِي يَلِيهَا، فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءَ شُدِّدَتْ “ أَنْ “ أَوْ خُفِّفَتْ فِي الْقِرَاءَةِ، إِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ وَاحِدًا، وَكَانَتَا قِرَاءَتَيْنِ مَشْهُورَتَيْنِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الْمُؤَذِّنَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَقُولُ: “ {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} “، الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا}، يَقُولُ: حَاوَلُوا سَبِيلَ اللَّهِ وَهُوَ دِينُهُ “ أَنْ يُغَيِّرُوهُ وَيُبَدِّلُوهُ عَمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ اسْتِقَامَتِهِ (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ)، يَقُولُ: وَهُمْ لِقِيَامِ السَّاعَةِ وَالْبَعْثِ فِي الْآخِرَةِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِيهَا جَاحِدُونَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَيْلِ فِي الدِّينِ وَالطَّرِيقِ: “ عِوَجٌ “ بِكَسْرِ “ الْعَيْنِ “، وَفِي مَيْلِ الرَّجُلِ عَلَى الشَّيْءِ وَالْعَطْفِ عَلَيْهِ: “ عَاجَ إِلَيْهِ يَعُوجُ عِيَاجًا وَعَوَجًا وَعِوَجًا “، بِالْكَسْرِ مِنَ “ الْعَيْنِ “ وَالْفَتْحِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: قِفَـا نَسْـأَلْ مَنَـازِلَ آلِ لَيْـلَى *** عَـلَى عِـوَجٍ إلَيْهَـا وَانْثِنَـاءِ ذَكَرَ الْفَرَاءُ أَنَّ أَبَا الْجَرَّاحِ أَنْشَدَهُ إِيَّاهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ “ عِوَجٍ “، فَأَمَّا مَا كَانَ خِلْقَةً فِي الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: “ عَوَجُ سَاقِهِ “، بِفَتْحِ الْعَيْنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ}، وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حِجَابٌ، يَقُولُ: حَاجِزٌ، وَهُوَ: السُّورُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}، [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 13]. وَهُوَ “ الْأَعْرَافُ “ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ فِيهَا: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}، كَذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ}، وَهُوَ “ السُّورُ “، وَهُوَ “ الْأَعْرَافُ “. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}، فَإِنَّ “ الْأَعْرَافَ “ جَمْعٌ، وَاحِدُهَا “ عُرْفٌ “، وَكُلُّ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ “ عُرْفٌ “، وَإِنَّمَا قِيلَ لِعُرْفِ الدِّيكِ “ عُرْفٌ “، لِارْتِفَاعِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ بْنِ ضِرَارٍ: وَظَلَّـتْ بِـأَعْرَافٍ تَغَـالَى، كَأَنَّهَـا *** رِمَـاحٌ نَحَاهَـا وِجْهَـةَ الـرِّيحِ رَاكِزُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: “ بِأَعْرَافٍ “، بِنُشُوزٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ: كُـلُّ كِنَـازٍ لَحْمُـهُ نِيَـافِ *** كَـالْعَلَمِ الْمُـوفِي عَـلَى الأعْـرَافِ وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ: إِنَّمَا سُمِّيَ “ الْأَعْرَافُ “ أَعْرَافًا، لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يَعْرِفُونَ النَّاسَ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: “ الْأَعْرَافُ “، هُوَ الشَّيْءُ الْمُشْرِفُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، سُورٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، سُورٌ لَهُ بَابٌ قَالَ أَبُو مُوسَى: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الْأَعْرَافَ تَلٌّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حُبِسَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، سُورٌ لَهُ بَابٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}، يَعْنِي بِالْأَعْرَافِ: السُّورُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ بَيْنُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، سُورٌ لَهُ عُرْفٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: “ الْأَعْرَافُ “، السُّورُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الرِّجَالِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْأَعْرَافِ، وَمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ صَارُوا هُنَالِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَجَعَلُوا هُنَالِكَ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: أُرْسِلَ إِلَيَّ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعِنْدَهُ أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ مَوْلَى قُرَيْشٍ، وَإِذَا هُمَا قَدْ ذَكَرَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ ذِكْرًا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَا، فَقُلْتُ لَهُمَا: إِنْ شِئْتُمَا أَنْبَأْتُكُمَا بِمَا ذَكَرَ حُذَيْفَةُ، فَقَالَا هَاتِ! فَقُلْتُ: إِنْ حُذَيْفَةَ ذَكَرَ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ، وَقَصَّرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا: “ {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} “. فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، اطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ: اذْهَبُوا وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، قَالَ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَقَصَّرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وَخَلَّفَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ. قَالَ: فوُقِفُوا هُنَالِكَ عَلَى السُّورِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَعُمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ وَحَسَنَاتٌ، فَقَصَّرَتْ بِهِمْ ذُنُوبُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وَتَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ، فَهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، فَيُنْفِذُ فِيهِمْ أَمْرَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَيَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِفَضْلِي وَمُغْفِرَتِي، لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ، وَقَصَّرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُحَاسَبُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}، [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 9]. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمِيزَانَ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ حَبَّةٍ وَيُرَجَّحُ. قَالَ: فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَوَقَفُوا عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عَرَفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَادَوْا: “ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ “، وَإِذَا صَرَفُوا أَبْصَارَهُمْ إِلَى يَسَارِهِمْ نَظَرُوا أَصْحَابَ النَّارِ قَالُوا: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 47]، فَيَتَعَوَّذُونَ بِاَللَّهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، قَالَ: فَأَمَّا أَصْحَابُ الْحَسَنَاتِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَونَ نُورًا فَيَمْشُونَ بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، وَيُعْطَى كُلُّ عَبْدٍ يَوْمئِذٍ نُورًا، وَكُلُّ أَمَةٍ نُورًا. فَإِذَا أَتَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْجَنَّةِ مَا لَقِيَ الْمُنَافِقُونَ، قَالُوا: " رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا “. وَأَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، فَإِنَّ النُّورَ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَمْ يُنْـزَعْ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَهُنَالِكَ يَقُولُ اللَّهُ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، فَكَانَ الطَّمَعُ دُخُولًا. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرٌ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ إِلَّا وَاحِدَةٌ. ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَ وُحْدَانُهُ أَعْشَارَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عِيسَى الْحَنَّاطُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ أَعْمَالٌ أَنْجَاهُمُ اللَّهُ بِهَا مِنَ النَّارِ، وَهُمْ آخَرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، قَدْ عَرَفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَلَمْ تَزِدْ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَا سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “ الْأَعْرَافُ “، سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ يُعَافِيَهُمْ، انْطُلِقَ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: “ الْحَيَاةُ “، حَافَّتَاهُ قَصَبُ الذَّهَبِ، مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، فَأَلْقَوْا فِيهِ حَتَّى تَصْلُحَ أَلْوَانُهُمْ، وَيَبْدُوَ فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ يُعْرَفُونَ بِهَا، حَتَّى إِذَا صَلُحَتْ أَلْوَانُهُمْ، أَتَى بِهِمُ الرَّحْمَنُ فَقَالَ: تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ! قَالَ: فَيَتَمَنَّوْنَ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَتُهُمْ قَالَ لَهُمْ: لَكُمُ الَّذِي تَمَنَّيْتُمْ وَمِثْلُهُ سَبْعِينَ مَرَّةً! فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَفِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ يُعْرَفُونَ بِهَا، يُسَمَّوْنَ مَسَاكِينَ الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: “ الْحَيَاةُ “، تُرَابُهُ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ، وَحَافَّتَاهُ قَصَبُ اللُّؤْلُؤِ قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ وَقَالَ: فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَتَبْدُو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: تَمَنَّوْا! فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَسَبْعُونَ ضِعْفًا! وَإِنَّهُمْ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ حَبِيبٌ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ: أَنَّهُمُ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، يُنْتَهَى بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: “ الْحَيَاةُ “، حَافَّتَاهُ قَصَبٌ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ سُفْيَانُ: أَرَاهُ قَالَ: مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ قَالَ: فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ اغْتِسَالَةً فَتَبْدُو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَغْتَسِلُونَ، فَيَزْدَادُونَ. فَكُلَّمَا اغْتَسَلُوا ازْدَادَتْ بَيَاضًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ! فَيَتَمَنَّوْنَ مَا شَاءُوا، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَسَبْعُونَ ضِعْفًا! قَالَ: فَهُمْ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَهُمْ عَلَى سُورٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: “ الْأَعْرَافُ “، بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حُبِسَ عَلَيْهِ أَقْوَامٌ بِأَعْمَالِهِمْ. وَكَانَ يَقُولُ: قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَلَمْ تَزِدْ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَا سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَهْلُ الْأَعْرَافِ، قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. وَقَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، اسْتَوَتْ أَعْمَالُهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فوُقِفُوا هُنَالِكَ عَلَى السُّورِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سُفَيْعٍ، أَوْ سُمَيْعٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَذَا وَجَدْتُ فِي كِتَابِ سُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عُصَاةً لِآبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي مِسْعَرٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا فِي الْغَزْوِ بِغَيْرِ إِذَنْ آبَائِهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ، حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ أَخْبَرَهُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هِلَالٍ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عُصَاةً لِآبَائِهِمْ، فَقُتِلُوا، فَأَعْتَقَهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ بِقَتْلِهِمْ فِي سَبِيلِهِ، وَحُبِسُوا عَنِ الْجَنَّةِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ، فَهُمْ آخَرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّة». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَقَالَ: قَوْمٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ، فَمَنَعَهُمْ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنِ النَّارِ، وَمَنَعَتْهُمْ مَعْصِيَةُ آبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّة». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ مَلَائِكَةٌ وَلَيْسُوا بِبَنِي آدَمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلُهُ: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: هُمْ رِجَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، قَالَ: {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}، إِلَى قَوْلِهِ: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، قَالَ: فَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا فِي النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ: {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}، قَالَ: فَهَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ، سَمِعْتُ عُمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي مِجْلَزٍ: يَقُولُ اللَّهُ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}، وَتَزْعُمُ أَنْتَ أَنَّهُمُ الْمَلَائِكَةُ؟ قَالَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ ذُكُورٌ، وَلَيْسُوا بِإِنَاثٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}، قَالَ: رِجَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَعْرِفُونَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِسِيمَاهُمْ، أَهْلَ النَّارِ وَأَهْلَ الْجَنَّةِ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُدَيٍّ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا يُعْلَى بْنُ أَسَدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}، قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عُمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}، قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ. قُلْتُ: يَا أَبَا مِجْلَزٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: “ رِجَالٌ “، وَأَنْتَ تَقُولُ: مَلَائِكَةٌ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ ذُكْرَانٌ لَيْسُوا بِإِنَاثٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عُمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ. قَالَ قُلْتُ: يَقُولُ اللَّهُ “ رِجَالٌ “؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ ذُكُورٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ: هُمْ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ مَنْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ، وَلَا خَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِحُّ سَنَدُهُ، وَلَا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَأْوِيلِهَا، وَلَا إِجْمَاعَ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ قِيَاسًا، وَكَانَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ أَهْلِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ “ الرِّجَالَ “ اسْمٌ يَجْمَعُ ذُكُورَ بَنِي آدَمَ دُونَ إِنَاثِهِمْ وَدُونَ سَائِرِ الْخُلُقِ غَيْرِهِمْ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو مِجْلَزٍ مِنْ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ، قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَائِرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ غَيْرُهُ. هَذَا مَعَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدِهَا مَا فِيهَا، وَقَدْ:- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زَرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ، «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: “ هُمْ آخَرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعِبَادِ، وَإِذَا فَرَغَ رَبُ الْعَالَمِينَ مِنْ فَصْلِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ قَالَ: أَنْتُمْ قَوْمٌ أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَمْ تُدْخِلْكُمُ الْجَنَّةَ، وَأَنْتُمْ عُتَقَائِي، فَارْعَوْا مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتُم».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِسِيمَاهُمْ، وَذَلِكَ بَيَاضُ وُجُوهِهِمْ، وَنَضْرَةُ النَّعِيمِ عَلَيْهَا وَيَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ كَذَلِكَ بِسِيمَاهُمْ، وَذَلِكَ سَوَادُ وُجُوهِهِمْ، وَزُرْقَةُ أَعْيُنِهِمْ، فَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ الْجَنَّةِ نَادَوْهُمْ: “ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} “. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: يَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: أَنْـزَلَهُمُ اللَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْـزِلَةِ، لِيَعْرِفُوا مَنْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلِيَعْرِفُوا أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَيَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يُحَيُّونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِالسَّلَامِ، لَمْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ دَاخِلُوهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (بِسِيمَاهُمْ)، قَالَ: بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، الْكُفَّارَ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ، وَسِيمَا أَهْلِ الْجَنَّةِ مُبْيَضَّةٌ وُجُوهُهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ إِذَا رَأَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ عَرَفُوهُمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ، وَإِذَا رَأَوْا أَصْحَابَ النَّارِ عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنْ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ رِجَالٌ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ عِظَامٌ، وَكَانَ حَسْمُ أَمْرِهِمْ لِلَّهِ، فَأُقِيمُوا ذَلِكَ الْمَقَامَ، إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَفُوهُمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، زَعَمُوا أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ، أَصَابُوا ذُنُوبًا، وَكَانَ حَسْمُ أَمْرِهِمْ لِلَّهِ، فَجَعَلَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْأَعْرَافِ. فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنَ النَّارِ. وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَادَوْهُمْ: “ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ “، قَالَ اللَّهُ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِسِيمَاهُمْ، يَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ وُجُوهِهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، يَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ وُجُوهِهِمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: أَهْلَ الْجَنَّةِ بِسِيمَاهُمْ بِيضَ الْوُجُوهِ، وَأَهْلَ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ سُودَ الْوُجُوهِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: أَصْحَابَ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابَ النَّارِ “ {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} “، قَالَ: حِينَ رَأَوْا وُجُوهَهُمْ قَدْ ابْيَضَّتْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: بِسَوَادِ الْوُجُوهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنْ الْحَسَنِ: (بِسِيمَاهُمْ)، قَالَ: بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ. وَ “ السِّيمَاءُ “، الْعَلَامَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الشَّيْءِ، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَأَصِلُهُ مِنَ “ السِّمَةِ “، نُقِلَتْ وَاوُهَا الَّتِي هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ، إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ، كَمَا يُقَالُ: “ اضْمَحَلَّ “ وَ“ امْضَحَلََّ “. وَذُكِرَ سَمَاعًا عَنْ بَعْضِ بَنِي عُقَيْلٍ: “ هِيَ أَرْضٌ خَامَةٌ “، يَعْنِي “ وَخِمَةً “. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: “ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ النَّاسِ “، بِمَعْنَى “ وَجْهٍ “، نُقِلَتْ وَاوُهُ إِلَى مَوْضِعِ عَيْنِ الْفِعْلِ. وَفِيهَا لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: “ سِيمَا “ مَقْصُورَةٌ، وَ“ سِيمَاءُ “، مَمْدُودَةٌ، وَ“ سِيمِيَاءُ “، بِزِيَادَةِ يَاءٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمِيمِ فِيهَا، وَمَدِّهَا، عَلَى مِثَالِ “ الْكِبْرِيَاءِ “، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: غُـلَامٌ رَمَـاهُ اللَّـهُ بِالحُسْـنِ إِذْ رَمَى *** لَـهُ سِـيمِيَاءُ لَا تَشُـقُّ عَـلَى البَصَـرْ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، أَيْ: حَلَّتْ عَلَيْكُمْ أَمِنَةً اللَّهَ مِنْ عِقَابِهِ وَأَلِيمِ عَذَابِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ: أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مَا قَالُوا قَبْلَ دُخُولِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أَهْلُ الْأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ النَّاسَ، فَإِذَا مَرُّوا عَلَيْهِمْ بِزُمْرَةٍ يُذْهَبُ بِهَا إِلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: “ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} “. يَقُولُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْأَعْرَافِ: لَمْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ، تَلَا الْحَسَنُ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا جَعَلَ ذَلِكَ الطَّمَعَ فِي قُلُوبِهِمْ، إِلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدُهَا بِهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، قَالَ: أَنْبَأَكُمُ اللَّهُ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الطَّمَعِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، فَإِنَّ النُّورَ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَانْتُزِعَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، قَالَ: فِي دُخُولِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَدْخَلَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، قَالَا فِي دُخُولِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ يَقُولُونَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ: “ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} “، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَلَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ}، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ يَعْرِفُونَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِسِيمَاهُمْ. وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يُنَادُونَ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ: أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ يَعْنِي: حِيالَهُمْ وَوِجَاهَهُمْ فَنَظَرُوا إِلَى تَشْوِيهِ اللَّهِ لَهُمْ {قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأَكْسَبُوهَا مِنْ سُخْطِكَ مَا أُوْرَثَهُمْ مِنْ عَذَابِكَ مَا هُمْ فِيهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ بِزُمْرَةٍ يُذْهَبُ بِهَا إِلَى النَّارِ، قَالُوا: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ وَعَرَفُوهُمْ، قَالُوا: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ}، قَالَ: تُحَرَّدُ وُجُوهُهُمْ لِلنَّارِ، فَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ الْجَنَّةِ ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ}، فَرَأَوْا وُجُوهَهُمْ مُسْوَدَّةً، وَأَعْيُنَهُمْ مُزْرَقَّةً، {قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا}، مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ {يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}، سِيمَا أَهْلِ النَّارِ {قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ}، مَا كُنْتُمْ تَجْمَعُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْعَدَدِ فِي الدُّنْيَا {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}، يَقُولُ: وَتَكَبُّرُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تَتَكَبَّرُونَ فِيهَا، كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ، فَمَرَّ بِهِمْ يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ نَاسٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ عَرَفُوهُمْ بِسِيمَاهُمْ. قَالَ: يَقُولُ: قَالَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ: {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا}، قَالَ: فِي النَّارِ {يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}، وَتَكْبُرُكُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}، قَالَ: هَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}، الْآيَةَ، قُلْتُ لِأَبِي مِجْلَزٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: لَا بَلْ عَنْ غَيْرِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}، قَالَ: نَادَتِ الْمَلَائِكَةُ رِجَالًا فِي النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ}، قَالَ: هَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}، فَالرِّجَالُ عُظَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا. قَالَ: فَبِهَذِهِ الصِّفَةِ عَرَفَ أَهْلُ الْأَعْرَافِ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا حِينَ يَذْهَبُ رَئِيسُ أَهْلِ الْخَيْرِ وَرَئِيسُ أَهْلِ الشَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}، قَالَ: عَلَى أَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِهَذَا الْكَلَامِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا قِيلُ اللَّهِ لِأَهْلِ النَّارِ، تَوْبِيخًا عَلَى مَا كَانَ مِنْ قِيلِهِمْ فِي الدُّنْيَا، لِأَهْلِ الْأَعْرَافِ، عِنْدَ إِدْخَالِهِ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “ {أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ} “، رِجَالٌ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ عِظَامٌ، وَكَانَ حَسْمُ أَمْرِهِمْ لِلَّهِ، يَقُومُونَ عَلَى الْأَعْرَافِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ طَمِعُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا. وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْهَا، فَأُدْخِلُوا الْجَنَّةَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: “ {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} “، يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ “ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} “. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ أَدْخَلَ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ لِقَوْلِهِ: “ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} “. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ لِأَهْلِ التَّكَبُّرِ وَالْأَمْوَالِ: “ {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} “، يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ “ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} “. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ أَهَؤُلَاءِ “، الضُّعَفَاءُ “ {الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} “، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَأْتُونِي، فَأَضْرِبُ بِيَدِي عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ أَقُولُ: أَنَا لَهَا! ثُمَّ أَمْشِي حَتَّى أَقِفَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَرْشِ، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي، فَيَفْتَحُ لِي مِنَ الثَّنَاءِ مَا لَمْ يَسْمَعْ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ قَطُّ، ثُمَّ أَسْجُدُ فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ! فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: رَبِّ، أُمَّتِي! فَيُقَالُ: هُمْ لَكَ، فَلَا يَبْقَى نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ إِلَّا غَبَطَنِي يَوْمَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَقَامِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ. قَالَ: فَآتِي بِهِمْ بَابَ الْجَنَّةِ، فَأَسْتَفْتِحُ فَيَفْتَحُ لِي وَلَهُمْ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ “ نَهْرُ الْحَيَوَانِ “، حَافَّتَاهُ قَصَبٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهُ الْيَاقُوتُ، فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ، فَتَعُودُ إِلَيْهِمْ أَلْوَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَرِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَصِيرُونَ كَأَنَّهُمُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ، وَيَبْقَى فِي صُدُورِهِمْ شَامَّاتٌ بِيضٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، يُقَالُ لَهُمْ: “ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْجَنَّةِ “. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَدْخَلَهُمْ بَعْدَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: “ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} “، يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ ذِكْرِنَا قَوْلُهُ فِيهِ: قَالَ اللَّهُ لِأَهْلِ التَّكَبُّرِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَالْإِذْعَانِ لِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، الْجَامِعِينَ فِي الدُّنْيَا الْأَمْوَالَ مُكَاثَرَةً وَرِيَاءً: أَيُّهَا الْجَبَابِرَةُ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، أَهَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ؟ قَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَرَحِمْتُهُمْ بِفَضْلِي وَرَحْمَتِي، ادْخُلُوا يَا أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ بَعْدَهَا مِنْ عُقُوبَةٍ تُعَاقَبُونَ بِهَا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْآثَامِ وَالْإِجْرَامِ، وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ عَلَى شَيْءٍ فَاتَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: بَلْ هَذَا الْقَوْلُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ الْمَلَائِكَةِ لِأَهْلِ النَّارِ، بَعْدَمَا دَخَلُوا النَّارَ، تَعْيِيرًا مِنْهُمْ لَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَنَّتَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} “، فَخَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَمْرِهِ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِدُخُولِهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: نَادَتِ الْمَلَائِكَةُ رِجَالًا فِي النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ: “ {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} “، قَالَ: فَهَذَا حِينَ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ “ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} “.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ اسْتِغَاثَةِ أَهْلِ النَّارِ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، عِنْدَ نـُزُولِ عَظِيمِ الْبَلَاءِ بِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ، عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَدَاءِ مَا كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ حُقُوقِ الْمَسَاكِينِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} “، بَعْدَمَا دَخَلُوهَا “ أَصْحَابَ الْجَنَّةِِ “، بَعْدَمَا سَكَنُوهَا “ أَنْ “، يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ “ {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} “، أَيْ: أَطْعَمُونَا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ مِنَ الطَّعَامِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} “، قَالَ: مِنَ الطَّعَامِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} “، قَالَ: يَسْتَطْعِمُونَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَهُمْ. فَأَجَابَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ عَلَى الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَهُ، وَكَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا رُسُلَهُ. وَ “ الْهَاءُ وَالْمِيمُ “ فِي قَوْلِهِ: “ {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا} “، عَائِدَتَانِ عَلَى “ الْمَاءِ “ وَعَلَى “ مَا “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} “. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} “، قَالَ: يُنَادِي الرَّجُلُ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ، فَيَقُولُ: “ قَدْ احْتَرَقْتُ، أَفِضْ عَلَيَّ مِنَ الْمَاءِ! “، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَجِيبُوهُمْ! فَيَقُولُونَ: “ {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} “ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ دُكَيْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: “ {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} “، قَالَ: يُنَادِي الرَّجُلُ أَخَاهُ: يَا أَخِي، قَدْ احْتَرَقْتُ فَأَغِثْنِي! فَيَقُولُ: “ {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} “. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} “، قَالَ: طَعَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَرَابُهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِلْكَافِرِينَ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَجَابَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ: “ {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} “ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ، الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمُ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ لَهْوًا وَلَعِبًا، يَقُولُ: سُخْرِيَةً وَلَعِبًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: “ {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} “، الْآيَةَ، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دُعُوا إِلَى الْإِيمَانِ سَخِرُوا مِمَّنْ دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَهَزِئُوا بِهِ، اغْتِرَارًا بِاَللَّهِ. “ {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} “، يَقُولُ: وَخَدَعَهُمْ عَاجِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ وَالْخَفْضِ وَالدَّعَةِ، عَنِ الْأَخْذِ بِنَصِيبِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ، حَتَّى أَتَتْهُمُ الْمَنِيَّةُ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: “ {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} “، أَيْ فَفِي هَذَا الْيَوْمِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “ نَنْسَاهُمْ “، يَقُولُ: نَتْرُكُهُمْ فِي الْعَذَابِ الْمُبِينِ جِيَاعًا عِطَاشًا بِغَيْرِ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ، كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا، وَرَفَضُوا الِاسْتِعْدَادَ لَهُ بِإِتْعَابِ أَبْدَانِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: “ نَنْسَاهُمْ “، بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ “، قَالَ: نُسُوا فِي الْعَذَابِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ “، قَالَ: نَتْرُكُهُمْ كَمَا تَرَكُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: “ نَنْسَاهُمْ “، قَالَ: نَتْرُكُهُمْ فِي النَّارِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} “، قَالَ: نَتْرُكُهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ، كَمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} “، الْآيَةَ، يَقُولُ: نَسِيَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَنْسَهُمْ مِنَ الشَّرِّ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ قَالَ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا فِي قَوْلِهِ: “ {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} “، قَالَ: نُؤَخِّرُهُمْ فِي النَّارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ {وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} “، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: “ {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} “، وَكَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فَـ “ مَا “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ وَمَا كَانُوا “ مَعْطُوفَةٌ عَلَى “ مَا “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ كَمَا نَسُوا “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَالْيَوْمَ نَتْرُكُهُمْ فِي الْعَذَابِ، كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ فِي الدُّنْيَا لِلِقَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَمَا كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَهِيَ حُجَجُهُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ “ يَجْحَدُونَ “، يُكَذِّبُونَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَقْسِمُ، يَا مُحَمَّدُ، لَقَدْ جِئْنَا هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ بِكِتَابٍ يَعْنِي الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْـزَلَهُ إِلَيْهِ. يَقُولُ: لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآنُ، مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا فِيهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ “ عَلَى عِلْمٍ “، يَقُولُ: عَلَى عِلْمٍ مِنَّا بِحَقِّ مَا فُصِّلَ فِيهِ، مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي مَيَّزَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ “ هُدًى وَرَحْمَةً “، يَقُولُ: بَيَّنَاهُ لِيُهْدَى وَيُرْحَمَ بِهِ قَوْمٌ يُصَدِّقُونَ بِهِ، وَبِمَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَأَخْبَارِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، فَيُنْقِذُهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ 2] “ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ “. وَ “ الْهُدَى “ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْقَطْعِ مِنَ “ الْهَاءِ “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ فَصَّلْنَاهُ “، وَلَوْ نُصِبَ عَلَى فِعْلِ “ فَصَّلْنَاهُ “-فَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَصَّلَنَا الْكِتَابَ كَذَلِكَ- كَانَ صَحِيحًا. وَلَوْ قُرِئَ: “ هُدًى وَرَحْمَةٍ “ كَانَ فِي الْإِعْرَابِ فَصِيحًا، وَكَانَ خَفْضُ ذَلِكَ بِالرَّدِّ عَلَى “ الْكِتَابِ “.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} “، هَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَجْحَدُونَ لِقَاءَهُ “ إِلَّا تَأْوِيلَهُ “، يَقُولُ: إِلَّا مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ، مِنْ وُرُودِهِمْ عَلَى عَذَابِ اللَّهِ، وصِلِيِّهِمْ جَحِيمَهُ، وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى “ التَّأْوِيلِ “ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} “، أَيْ: ثَوَابَهُ “ {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} “، أَيْ ثَوَابُهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} “، قَالَ: “ تَأْوِيلُهُ “، عَاقِبَتُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} “، قَالَ: جَزَاءَهُ “ {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} “، قَالَ: جَزَاؤُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} “، أَمَّا “ تَأْوِيلُهُ “، فَعَوَاقِبُهُ، مِثْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَالْقِيَامَةِ، وَمَا وُعِدَ فِيهَا مِنْ مَوْعِدٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} “، فَلَا يَزَالُ يَقَعُ مِنْ تَأْوِيلِهِ أَمْرٌ بَعْدَ أَمْرٍ، حَتَّى يَتِمَّ تَأْوِيلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَفِي ذَلِكَ أُنْـزِلَ: “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} “، حَيْثُ أَثَابَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ وَأَعْدَاءَهُ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ. يَقُولُ يَوْمئِذٍ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ: “ {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} “، الْآيَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} “، قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} “، قَالَ: يَوْمَ يَأْتِي حَقِيقَتُهُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}، [سُورَةُ يُوسُفَ: 100]. قَالَ: هَذَا تَحْقِيقُهَا. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}. ، [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 7]، قَالَ: مَا يَعْلَمُ حَقِيقَتُهُ وَمَتَى يَأْتِي، إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ} “، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يَوْمَ يَجِيءُ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ “ {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ} “، أَيْ: يَقُولُ الَّذِينَ ضَيَّعُوا وَتَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْعَمَلِ الْمُنْجِيهِمْ مِمَّا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعَذَابِ، مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا “ {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} “، أَقْسَمَ الْمَسَاكِينُ حِينَ عَايَنُوا الْبَلَاءَ وَحَلَّ بِهِمُ الْعِقَابُ: أَنَّ رُسُلَ اللَّهِ الَّتِي أَتَتْهُمْ بِالنِّذَارَةِ وَبَلَّغَتْهُمْ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ، قَدْ كَانَتْ نَصَحَتْ لَهُمْ وَصَدَقَتْهُمْ عَنِ اللَّهِ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ التَّصْدِيقُ. وَلَا يُنْجِيهِمْ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ كَثْرَةُ الْقَالِ وَالْقِيلِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ {“، أَمَّا “} الَّذِينَ نَسُوهُ {“، فَتَرَكُوهُ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا وَعَدَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ، اسْتَيْقَنُوا فَقَالُوا: “} قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ “. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ} “، قَالَ: أَعْرَضُوا عَنْهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ، أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ حُلُولِ سَخَطِ اللَّهِ بِهِمْ، وَوُرُودِهِمْ أَلِيمَ عَذَابِهِ، وَمُعَايَنَتِهِمْ تَأْوِيلَ مَا كَانَتْ رُسُلُ اللَّهِ تَعِدُهُمْ: هَلْ لَنَا مِنْ أَصْدِقَاءَ وَأَوْلِيَاءَ الْيَوْمَ فَيَشْفَعُوا لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا، فَتُنْجِينَا شَفَاعَتُهُمْ عِنْدَهُ مِمَّا قَدْ حَلَّ بِنَا مِنْ سُوءِ فِعَالِنَا فِي الدُّنْيَا أَوْ نُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا مَرَّةً أُخْرَى، فَنَعْمَلُ فِيهَا بِمَا يُرْضِيهِ وَيُعْتِبُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا؟ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ الْمَسَاكِينُ هُنَالِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَهِدُوا فِي الدُّنْيَا أَنْفُسَهُمْ لَهَا شُفَعَاءَ تَشْفَعُ لَهُمْ فِي حَاجَاتِهِمْ، فَيَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا خُلَّةٌ فِيهِ لَهُمْ وَلَا شَفَاعَةٌ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: “ {قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} “، يَقُولُ: غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا، بِبَيْعِهِمْ مَا لَا خَطَرٌ لَهُ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ الدَّائِمِ، بِالْخَسِيسِ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا الزَّائِلِ “ {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} “، يَقُولُ: وَأَسْلَمَهُمْ لِعَذَابِ اللَّهِ، وَحَارَ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ، الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مَنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَزْعُمُونَ كَذِبًا وَافْتِرَاءً أَنَّهُمْ أَرْبَابُهُمْ مَنْ دُونِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: “ {قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} “، يَقُولُ: شَرَوْهَا بِخُسْرَانٍ. وَإِنَّمَا رُفِعَ قَوْلُهُ: “ أَوْ نُرَدُّ “ وَلَمْ يُنْصَبْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: “ فَيَشْفَعُوا لَنَا “، لِأَنَّ الْمَعْنَى: هَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ هَلْ نُرَدُّ فَنَعْمَلُ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ؟ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَطْفَ عَلَى قَوْلِهِ: “ فَيَشْفَعُوا لَنَا “.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ سَيِّدَكُمْ وَمُصْلِحَ أُمُورِكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ “ {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} “، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاءِ، وَالْأَرْبِعَاءِ، وَالْخَمِيسِ، وَالْجُمْعَةِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: بَدْءُ الْخَلْقِ الْعَرْشُ وَالْمَاءُ وَالْهَوَاءُ، وَخُلِقَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْمَاءِ، وَكَانَ بَدْءُ الْخُلُقِ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاءِ، وَالْأَرْبِعَاءِ، وَالْخَمِيسِ، وَجُمِعَ الْخَلْقُ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ، وَتَهَوَّدَتْ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ. وَيَوْمٌ مِنَ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. “ {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} “. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى “ الِاسْتِوَاءِ “ وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ، فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} “، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُورِدُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ فَيُلْبِسُهُ إِيَّاهُ، حَتَّى يُذْهِبَ نَضْرَتَهُ وَنُورَهُ “ يَطْلُبُهُ “، يَقُولُ: يَطْلُبُ اللَّيْلُ النَّهَارَ “ حَثِيثًا “، يَعْنِي: سَرِيعًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} “، يَقُولُ: سَرِيعًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} “، قَالَ: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ، فَيَذْهَبُ بِضَوْئِهِ، وَيَطْلُبُهُ سَرِيعًا حَتَّى يُدْرِكَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُ الْعَالَمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، كُلُّ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ، أَمَرَهُنَّ اللَّهُ فَأَطْعَنُ أَمْرَهُ، أَلَا لِلَّهِ الْخَلْقُ كُلُّهُ، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا يُخَالَفُ وَلَا يُرَدُّ أَمْرُهُ، دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَدُونَ مَا عَبَدَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَخْلُقُ وَلَا تَأْمُرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ مَعْبُودُنَا الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ، رَبُّ الْعَالَمِينَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الشَّامِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ وَحَمِدَ نَفْسَهُ، قَلَّ شُكْرُهُ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعِبَادِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، لِقَوْلِهِ: “ {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {ادْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ادْعُوَا، أَيُّهَا النَّاسُ، رَبَّكُمْ وَحْدَهُ، فَأَخْلَصُوا لَهُ الدُّعَاءَ، دُونَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ “ تَضَرُّعًا “، يَقُولُ: تَذَلُّلًا وَاسْتِكَانَةً لِطَاعَتِهِ “ وَخُفْيَةً “، يَقُولُ بِخُشُوعِ قُلُوبِكُمْ، وَصِحَّةِ الْيَقِينِ مِنْكُمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، لَا جِهَارًا وَمُرَاءَاةً، وَقُلُوبُكُمْ غَيْرُ مُوقِنَةٍ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، فِعْلَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْخِدَاعِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَمَا يَشْعُرُ جَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ فَقُهَ الْفِقْهَ الْكَثِيرَ، وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لِيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الطَّوِيلَةَ فِي بَيْتِهِ وَعِنْدَهُ الزَّوْرُ، وَمَا يَشْعُرُونَ بِهِ. وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامًا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَمَلٍ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي السِّرِّ فَيَكُونُ عَلَانِيَةً أَبَدًا! وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ، وَمَا يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ، إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: “ {ادْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} “، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا فَرَضِيَ فِعْلَهُ فَقَالَ: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}، [سُورَةُ مَرْيَمَ: 3]. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدَيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَأَشْرَفُوا عَلَى وَادٍ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اربَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا! إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُم» “. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ {ادْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} “، قَالَ: السِّرُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} “، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنْ رَبَّكُمْ لَا يُحِبُّ مَنِ اعْتَدَى فَتَجَاوَزَ حَدَّهُ الَّذِي حَدَّهُ لِعِبَادِهِ فِي دُعَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ، وَرَفْعَهُ صَوْتَهُ فَوْقَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ وَمَسْأَلَتِهِمْ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: “ {ادْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} “، قَالَ: لَا يَسْأَلُ مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} “، فِي الدُّعَاءِ وَلَا فِي غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّ مِنَ الدُّعَاءِ اعْتِدَاءً، يُكْرَهُرَفْعُ الصَّوْتِ وَالنِّدَاءُ وَالصِّيَاحُ بِالدُّعَاءِ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِكَانَةِ.
|